کد مطلب:187330 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:268

و سلاحه البکاء (26)
أكثر من عشرة آلاف فارس و أكثر من خمسة عشر ألف من المشاة یتدفقون صوب المدینة بعد أن أعلن قائد الغزو:

- انها مباحة لكم ثلاثة أیام.

برقت فی العیون الجائعة آلاف الرغبات و تأججت فی النفوس الدنیئة حمی الشهوات؛ یا لیالی السلب و النهب و الرغبات المجنونة فی أحضان العذاری، قطعان الذئاب تتدفق صوب یثرب كطوفان مدمر.

السیوف الشامیة تحصد آلاف الرؤوس؛ كل شی ء مستباح؛ الدماء تلون صعید الأرض الطیبة، و استغاثات مقهورة ترتفع من حنایا البیوت و المساجد.

- یا محمداه... یا نبی الله..

الخیول المجنونة تدور فی الأزقة و السكك بحثا عن الذهب و الفضة و عذاری المدینة.

هناك فی أعماق النفس البشریة خنزیر قابع مغلول بالسلاسل؛



[ صفحه 98]



ولكن الشیطان قد یتسلل فی غفلة الانسان فیحطم تلك القیود و عندها یقفز الخنزیر یعربد و یدمر و ینتهی الانسان.. ربما یقتله الخنزیر أو یصرعه أو یوثقه الاكتاف.

و هكذا كان..

یوم هوی الحسین فوق الثری و نام، وثب الخنزیر المصفد بالسلاسل و الأغلال، وثب مجنونا وراح یرقص رقصة الحرب و الغزو تتأجج فی عینیه الشهوات و تبرق فی رؤاه الاسلاب، ها هی الخیول الغازیة تعبر جثة الحسین و تنطلق لاستباحة العالم.. لم تبق هناك من حرمات فالكل مستباح.

كانت صبیة تركض.. مبهورة الأنفاس یطاردها ذئب.. تعثرت.. وقعت علی الأرض.. نهضت رغم جراحها هرولت كظبیة یطاردها صیاد دنی ء..

اشتعلت فی أعماق الذئب حمی الشهوات. برقت عیناه كأفعی.. طاردها عبر بوابة مسجد النبی لم یطرف له جفن...

لاذت الصبیة وراء قبر الرجل السماوی.. لاحقها و هو یلهث... لجأت الی المحراب... ولكن الذئب لم یعد یری شیئا، جذبها من ظفیرتها.. افترشها.. انتزع منها أعظم كنز تملكه العذاری... و لم ینس و هو یقوم عنها أن ینتزع أساور من ذهب و فضة.. لم تعد ذات قیمة فی نظر الفتاة، فتركته یفعل ما یشاء.

جثم صمت مخیف فوق المدینة الحزینة و قد غادر الجنود الی



[ صفحه 99]



معسكرهم یحملون الأسلاب.

كان یسیر یهز الأرض بقدمیه الغلیظتین یكاد یحرق بنظراته المشتعلة الأبواب و الكوی و جدران البیوت الطینیة. سمع و هو ینعطف باتجاه الشمال بكاء طفل رضیع. تسمر.. نهض الخنزیر علی قوائمه الأبع.. رفس الباب. وجد اما صغیرة..

كانت جالسة وسط الحجرة و قد تبعثرت حولها الأشیاء... المنظر ینم عن مرور الجنود منذ ساعة.

صرخ الجندی الغلیظ:

- هات ما عندك.

قالت الام الصغیرة:

- ما تركوا لی شیئا... سلبونی كل شی ء.

اشتعل الحقد فی أعماقه.. و تأججت شهوته و هو یكاد یلتهم ثدیها بنظراته.. جذب الرضیع بقسوة و لطشه بالجدار...

كانت الام الصغیرة كالعصفور بین یدیه...

لم یجد معها ذهبا و لا فضة فأخذ منها شیئا آخر و غادر البیت.. و فی هذه المرة كان الطفل ساكتا و امه تبكی... تبكی كل الأشیاء.. كل الأشیاء العزیزة التی فقدتها فی لحظة من لیل الذئاب.

الرؤوس تتساقط كنجوم منطفئة؛ كان قائد الغزاة یتوعد و یهدد و یشتم بعد أن أمر بالقاء القبض علی «علی بن الحسین» ذلك الفتی الذی أنجاه الله من قبل.



[ صفحه 100]



و جاءوا بالفتی الذی یحمل فی وجهه سیماء النبوات. الصلاة تنساب علی شفتیه.. كان یتمتم بخشوع:

- اللهم رب السموات السبع و ما أظللن، و الأرضین السبع و ما أقللن.. رب العرش العظیم.. رب محمد و آله الطاهرین.. أعوذ بك من شره و أدرأ بك فی نحره، أسألك أن تؤتینی خیره و تكفینی شره.

الذین حضروا اللقاء كانوا یدركون انها النهایة و لسوف ینقطع نسل الحسین الی الأبد... ولكن ماذا حدث لكی ینقلب الموقف. فاذا الذی كان یتوعد و یهدد، و الرؤوس تتساقط بین یدیه دون أن یطرف له جفن، ینهض باجلال للفتی القادم بل یقوده بنفسه لیجلسه علی سریره..

و فغر الذین حضروا اللقاء أفواههم دهشة و قد سمعوا الرجل الذی لا یعرف حرمة للدماء الآدمیة یقول للفتی:

- سلنی حاجتك یا أبامحمد.

قال الفتی بحزن:

- أسألك أن تكف السیف عن قتل الناس.

أطرق القائد موافقا.

قال المری متوددا:

- لعل أهلك فزعوا.

أجاب ابن الحسین:

- أی والله.



[ صفحه 101]



هتف قائد الجیش:

- أسرجوا له دابته..

و أردف مخاطبا الفتی:

- لو كان عندنا شی ء لوهبناك.

قال الفتی و هو یستوی فوق دابته.

- ما أعذرنی للأمیر.

و انطلق الفتی.. بعد أن أوقف مسلسل القتل و طاحونة الموت فتنفس الناس الصعداء.



[ صفحه 102]